كشفت دراسة حديثة أجراها فريق دولي من الباحثين من عدة بلدان عن أول إعادة بناء وراثية للسكان القدامى في تونس وشرق الجزائر. توضح الأبحاث أن جماعات الصيد وجمع الثمار في هذه المنطقة احتفظت بالكثير من تراثها الجيني بالرغم من وصول بعض السكان من العصر الحجري الحديث من أوروبا وجنوب غرب آسيا. تعتمد هذه النتائج على نهج متعدد التخصصات يجمع بين علم الوراثة وعلم الآثار والأنثروبولوجيا الفيزيائية، مما يعيد بناء تاريخ المجتمعات في شمال إفريقيا.
شهد العصر الحجري الحديث، الذي بدأ قبل حوالي 12 ألف سنة، تحولا كبيرا في حياة الإنسان، إذ انتقل الناس من الاعتماد على الصيد إلى الزراعة وتربية الحيوانات.
في هذا السياق، أوضح جوليو لوكاريني، عالم الآثار من المجلس الوطني للبحوث، أن الدراسات الوراثية كانت نادرة في المغرب الشرقي، ولكن هذه الدراسة تسلط الضوء على بقاء الارتباط بين السكان المحليين وتقاليدهم.
حللت البيانات الجينية لأشخاص عاشوا بين 15000 و6000 سنة، ووجدت استمرارية وراثية مرتفعة.
أظهرت البيانات أن تأثير المزارعين الأوروبيين لم يتجاوز 20٪ في الجينات المحلية في هذه المنطقة، مما يدل على أن التحولات في المجتمع كانت أكثر تعقيدا مما هو موضح في مناطق أخرى من البحر الأبيض المتوسط.
هذا الاكتشاف يقدم رؤية جديدة حول تحولات العصر الحجري الحديث، مشيرا إلى أن الانتقال إلى إنتاج الغذاء لم يكن موحدا بل كان عملية ديناميكية ترافقها هجرات وتبادلات ثقافية.
واحد من الجوانب المثيرة في الدراسة كان اكتشاف جينات قديمة مرتبطة بالصيادين الأوروبيين في فرد تونسي عاش قبل 8000 عام، مما يؤكد نتائج سابقة تشير إلى الاتصالات بين سكان جنوب أوروبا وشمال إفريقيا عبر الطرق البحرية.
يتوافق هذا البحث مع الأدلة الأثرية، حيث أظهرت كيف استمرت المجتمعات في بناء اقتصادها اعتمادا على تربية الأغنام والجمع بين الزراعة والصيد بشكل متوازن.
يرسم البحث صورة غنية ومعقدة حول انتقال المجتمعات نحو الزراعة وتأثير ذلك على التنوع الثقافي والوراثي لهذه المناطق.